كانت حياة الإمام الحسين (عليه السلام) كلّها عبر ودروس، فانطلق وضحّى بأغلى ما يملك من أجل الآخرين، من أجل أن يرسم للأُمّة خطاً لهداية الحائرين، وأن يوقد شعلة تنير درب المظلومين. لقد نهض الإمام الحسين (عليه السلام) لتأدية واجب عظيم هو إعادة بناء النظام والمجتمع الإسلامي.
لعاشوراء رسائل ودروس عديدة، عاشوراء تعلّمنا أنّه يجب التضحية من أجل حفظ الدِّين. تعلّمنا أنّه يجب التخلي عن كلّ شيء في سبيل القرآن. تعلّمنا أنّه في ساحة المبارزة بين الحقّ والباطل، يقف الصغير والكبير، المرأة والرجل، الشيخ والشاب، الشريف والوضيع والإمام والرعية في خندق واحد. كذلك الإمام الحسين (عليه السلام)، يعلمنا أنّ القلّة الصابرة تُحدث تغييراً إذا ما آمنت بأنّ لكلّ شيءٍ ثمناً لابدّ أن يُدفع. وأنّ أقدارَ الناس تتفاوت إنّما لما يقومون بما عليهم مِن واجب، وأنّ قيمتَهم تعلو بالمبادرة والإخلاص والثبات. فالحسين (عليه السلام)، مشروعٌ إصلاحي تغييري في بُنية الدِّين والسياسة والمجتمع والإنسان، وليس بمشروع مذهبي أو طائفي أو سلطوي.
لقد لقّن الإمام الحسين (عليه السلام) بحركته العظيمة هذه البشرية درساً أنّه كلّما كان الحقّ في مواجهة وضع خطير ومؤلم، يجب على أتباع الحقّ النهوض والقيام ولو كانوا أمام بحر من الأعداء.
ثورة الحسين (عليه السلام) ثورة حيّة تحرّكت في عقل الأُمّة قبل عاطفتها، فكانت ثورة غنية بشعاراتها الصادقة وأهدافها النبيلة، ولهذا لم تكن كباقي الثورات، والتاريخ الإسلامي غني بالثورات، إلّا أنّ هذه الثورة هي الوحيدة التي لا تزال ذكرها يتجدد ويتقدم فكُتبَ لها الخلود على مرّ الزمان.
لذا كانت هذه الثورة.. ثورة غنية بالدروس والعِبَر.. فيها التضحية بالمال والنفس والأهل والمكانة الاجتماعية.. وفيها تحدّي الإرهاب والقسوة. فقد قطع الحسين (عليه السلام) مئات الأميال وسار الليالي والأيام وتحرّك عبر ظرف سياسي عصيب.. ووطَّنَ نفسه على التضحية والفداء فقُتِلَ هو وأبناؤه وأهل بيته (عليهم السلام) وأصحابه، وقد كان يعلم ويتوقع حدوث كلّ ذلك وهو مُصِرٌّ على التضحية والفداء. لأنّه (عليه السلام) حين رأى الأوضاع والظروف السياسية والاجتماعية، وتوجّه السلطة وسياستها العامّة لا تلتزم بهذه المبادئ.. وإنّ الأُمّة تعيش حالة من الحيرة والضياع السياسي، شخّص واجبه ووظيفته الشرعية كإمامٍ وقدوة للأُمّة في أن يؤدِّي دوره السياسي والعقائدي.
وبعد عاشوراء انعكس روح المقاومة التي أبداها أصحاب الحسين (عليه السلام) خلال نهار واحد وقُتلوا فيها جميعاً، انعكست هذه الروح على الجماهير، فشعرت ربما للمرّة الأولى أنّ روح الثورة لا زالت تشتعل فها هي طلائع الأُمّة تحمل السلاح وتقاتل وتُقتل في سبيل حقّها وحرّيتها وكرامتها. وامتدت إرادة القتال إلى كلّ المسلمين، وأشعلت عاشوراء أملاً كاد أن يموت في القلوب، ونوراً كاد أن يخبو في الأفئدة، فأصبحت مقاومة الظلم والظالمين حتمية فرضتها كربلاء، وروح كربلاء. أليس الحسين، وهو أقدس رجل قد قاتل وقد قُتل؟ إذن، فلنكن نحن مهما كنا كالحسين نقاتل ونُقتل.
وهكذا وجد الناس في ذكرى الحسين أعلى المثل يرفض العبودية، أعظم رمز ينادي بالحرّية.. فاتجهوا نحو الذكرى ونحو صاحبها ينهلون من فيض قيمها الزاخرة، ويتزوّدون مع معين دروسها الذي لا ينضب، يشبعون منها حاجاتهم النفسية من التطلّع إلى الحرّية، إلى التضحية والفداء. وتبقى هذه الذكرى مثلاً لصراع الحقّ مع الباطل على مَرّ الأجيال.. وذكرى الشهادة – من الشهود – وهي الحضور الدائم في ميدان المعركة، بين الحقّ والباطل، بين الالتزام والانحراف، بين الاستقامة والتحدّي، بين الشجاعة والجبن.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق
تعليقات
هاشم عبدالله كيندو
اللّهُمَّ صل على محمد وآل محمد وعجل شكر الله سعيكم